نيويورك تايمز: مذكرات كوشنر تقدم “رؤية انتقائية” عن سنوات ترامب في البيت الأبيض
قضى جارد كوشنر سنواته في البيت الأبيض وهو يراوغ ويتجنب تحمل مسؤولية أفعال الرئيس دونالد ترامب، الذي عينه بالمقام الأول مستشارا له، ليس لقدراته الدبلوماسية وعمله السابق في الحكومة بل لكونه زوج ابنته المفضلة إيفانكا.
ويبدو أن كوشنر مستمر في محاولة حرف المسؤولية عن نفسه، لكنه لا يستطيع تجنب الدفاع عن ترامب وإن كان مكرها هذه المرة.
وفي تقرير أعدته آن كارني وماجي هابرمان ونشرته صحيفة “نيويورك تايمز” جاء أن كوشنر الذي قام بجولات من أجل الترويج لمذكراته الجديدة حول سنواته في البيت الابيض، وجد نفسه هذا الأسبوع أمام سؤال نجح في تجنبه على مدى الفترة السابقة: هل يوافق مع ترامب بشأن زعمه بأن الانتخابات مزيفة؟ ورد “أعتقد أن هناك كلمات مختلفة”، مجيبا على سؤال طرحته مقدمة البرامج ميغان كيلي في شبكة “سيروس إكس أم”، و”أعتقد أن هناك مجموعة من الطرق المختلفة اتخذها أناس مختلفون ونظريات مختلفة”. وعندما ضغطت عليه كيلي للإجابة على سؤال بشأن خسارة ترامب، تردد قائلا “أعتقد أنها كانت انتخابات قذرة جدا” و”أعتقد أن هناك الكثير من القضايا لو تم التقاضي بشأنها بطريقة مختلفة لحصلنا على رؤى مختلفة عنها”.
وكلام كوشنر مخالف لما أكدت عليه سلطات الانتخابات في أمريكا وأنها “الأكثر أمانا في التاريخ الأمريكي” ورد القضاة كل الدعاوى القضائية التي قدمها ترامب وزعم فيها أن تزييفا قد حصل.
والغريب أن تردد كوشنر التنازل عن الأخطاء التي حدثت في عهد صهره والتي يحاول القيام بها، يعكس محاولته بيع كتاب يعتمد نجاحه على علاقاته القريبة مع ترامب. وفي نفس الوقت يحاول إبعاد نفسه عن الأكاذيب والأفعال السيئة التي قادت إلى فتنة الكابيتال هيل في 6 كانون الثاني/يناير 2021. ومثل عنوان المذكرات “كسر التاريخ”، فمهمة كوشنر كانت تبنّي سرد انتقائي يظهر كوشنر على أنه نجم شاب يحاول إنجاز الأعمال والمهام في البيت الأبيض بدون أن تتسخ يديه.
وفي مقابلة مع “فوكس أن فريندز” يوم الثلاثاء قال كوشنر الذي لم ينتخب “قبل مجيئي إلى البيت الأبيض” كان “هناك اقتناع” بأنه لن يكون هناك سلام بين إسرائيل والدول العربية “حتى يتم تحقيق السلام مع الفلسطينيين”. ونسب كوشنر، الذي كان مستشارا لترامب فضل التوصل لاتفاقيات التطبيع ومساهمته في إدخال “وجهة نظر من الخارج” للمشاكل العالمية المستعصية.
وفي مقابلة أخرى لاحظ كوشنر أن ترامب “طلب منه لعب دور بارز في بناء الجدار” عند حدود المكسيك. وفي مقابلة افتراضية ذهب كوشنر بعيدا للاقتراح بأنه سيظل خالدا لأنه منح أولوية لهذه الممارسة منذ خروجه من البيت الأبيض وأن جيله هو الجيل الأول الذي سيخلد “ويعيش للأبد”. وعندما يتعلق الأمر بالهجوم على الكونغرس في 6 كانون الثاني/يناير والأكاذيب التي روجها معسكر ترامب، فقد أظهر ترددا، وحاول جاهدا في مقابلته مع كيلي الدفاع عن هوس ترامب الحماسي بانتخابات عام 2020. وقال “ما حدث في العام الماضي هو النقاش الذي تحتاجه البلاد بشكل ملح ويتعلق بنزاهة الانتخابات”.
وبعد خروجه من البيت الأبيض، حاول كوشنر الذي كان ديمقراطيا إعادة تأهيل صورته مخبرا من حوله أنه لا يريد الارتباط بأكاذيب ترامب حول سرقة الانتخابات. ويقول في مذكراته إنه كان يتطلع لبناء فصل جديد وللأمام في حياته. ولكن في كتابه الذي يعتبر الأكثر مبيعا على مكتبة أمازون الإلكترونية، فهو يواجه المحاسبة حول الفصول السوداء في ولاية ترامب بما فيها محاولته قلب نتائج الانتخابات التي فاز بها الديمقراطيون. ففي فترة ترامب كان كوشنر، المبتدئ في السياسة يخرج للعلن عندما أراد الحصول على ثناء، مثل إصلاح القانون الجنائي واتفاقيات إبراهيم.
لكنه كان يتراجع إلى الخلف عندما كان يريد ذلك، مثل سفره إلى الشرق الأوسط عام 2020، في وقت كان صهره يحاول استخدام وزارة العدل لكي يظل في السلطة. وفي شهادة قدمها عبر الفيديو للجنة التحقيق في هجوم السادس من كانون الثاني/يناير، كان واضحا احتقاره لعدد من المسؤولين في البيت الأبيض الذين حاولوا توجيه صهره بعيدا عن الجهود غير القانونية لقلب الانتخابات. وقال إن التهديدات من مستشار البيت الأبيض بات إي سيبولون بالاستقالة كانت مجرد “غنج”.
وبدون جمهور لكتاب كتبه ديمقراطي سابق ابتعدت عنه الدائرة الاجتماعية السابقة وتنظر إليه قاعدة ترامب اليمينية نظرة شك، فهو يحاول الاعتماد على أتباع صهره لشراء الكتاب من خلال تقديم دفاع مكره عليه وعن معظم سياسات ترامب المتطرفة. وعندما سئل يوم الأربعاء في “فوكس أند فريندز” عن تصرف ترامب في نقل وثائق رئاسية إلى مقر إقامته في ماري- إي- لاغو، وإن كان خطأ، رد كوشنر بتمهل “الرئيس ترامب، حكم بطريقة محددة” و”عندما نقل وثائقه، افترض أنه فعل هذا بطريقة صحيحة”.
وهاجم كوشنر مداهمة مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) لمقر إقامة ترامب في فلوريدا “يبدو أنهم يواصلون كسر الأعراف لإدانته”. كل هذا مع أن المسؤولين عن الأرشيف الرئاسي أخبروا ترامب مرارا وتكرارا بضرورة إعادة الوثائق التي لا تمت إليه. وكشف أنه أخذ معه مئات الوثائق المعلمة بعلامة “سري”، وهو نفس التصرف الذي شجع كوشنر صهره بعمله ضد هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016. وأرسلت وزارة العدل أمرا لترامب قبل عملية التفتيش.
وفي الوقت الذي قدم فيه كوشنر رؤية انتقائية ونظيفة عن رئاسة ترامب، فقد قام صهره بعملية واسعة لنشر الكتاب وبيعه. ومن منتصف آب/أغسطس أرسلت لجنة العمل السياسي التابعة لترامب “أنقذوا أمريكا” عشرات الرسائل الإلكترونية لتقديم التبرعات مقابل الحصول على نسخة من الكتاب. وكتب ترامب “أنا فخور” ووصف الكتاب “واجب القراءة” وبحروف بارزة. وفي معظم اللقاءات التي قبلها كوشنر كانت من أصدقاء ترامب مثل شون هانيتي في فوكس نيوز، أو المعجبين السابقين بالرئيس مثل مارك ليفين مقدم البرامج في الراديو. وفي الأماكن الصديقة فقد جنب كوشنر الإحراج ولم توجه له أسئلة حول أحداث 6 كانون الثاني/يناير. وتجنبوا سؤاله عن الطريقة التي حصل فيها على استثمار بملياري دولار من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي دافع عنه ووصفه بالمصلح في عدد من الموضوعات. ورغم تلميحاته في الأشهر الماضية أنه لم ولن يعود إلى دائرة ترامب السياسية، إلا أنه لم يستبعد العودة لو رشح ترامب نفسه للرئاسة وفاز في 2024. “يجب أن تكون هناك الظروف المناسبة لكي أفعل هذا مرة أخرى”، أخبر كيلي.